فكرة

بقلم/ نعمه الغصين
حملت في طياتها وجسدت في ملامحها أرقي وأرق الملامح الإنسانية لشخص تأثر كثير بالحرب و العدوان, وبالذات في تلك المناطق الأكثر تأثرا وتعرضا لأبشع أنواع الدمار لم يكتف بأن هرع وهب لنجدتهم في وقت الحرب في المدارس وفي مراكز الإيواء بل امتدت معه بعد الانتهاء من الحرب والعدوان للتخفيف من آلامهم بشكل مختلف من خلال المراكز المؤقتة لرعاية الطفل و الأسرة في مناطق متعددة مثل (الفخارى (رفح) – القرارة (خانيونس) جحر الديك (المنطقة الوسطى) و العطاطرة والسلاطين (شمال غزة).
فكرة تحمل في أهدافها القيم و التوجهات والرسائل والجوانب الهامة فى الحياة من / بيئة- صحة – دعم نفسي- وثقافي – وتربوي, كنت دائما ألامس في حديثه عن تلك المناطق مدى التأثر بما حدث لهؤلاء الناس كان هو مديرنا بالمعهد/عيسى سابا
ومن هنا بدأنا العمل. (فريق معهد كنعان التربوى )
لا أخفى عليكم لم أكن أرغب في التوجه للعمل في تلك المناطق, ولم يكن ذلك من عدم محبتي للعمل, بل أنني وبعد مرور شهر من انتهاء العدوان لم أكن قد خرجت من حالة التوتر و الخوف التي رافقتني فترة الحرب حيث أنني أسكن في منطقة قريبة لمنطقة العطاطرة والسلاطين وهى حي التوام، وكنت أتخوف من حدوث عدوان آخر, وتوجهي للعمل في تلك المناطق أخفق من جاهزيتى لذلك, ولكني عندما باشرت العمل بدأت أشعر بالارتياح الشديد ومدى أهميه العمل مع هؤلاء الناس وتبدد ما بداخلي من خوف وتوتر وقلق وشعرت بحرج من نفسي وكم أن تجربتي وتأثري بالحرب أقل بكثير من تجاربهم وما تحملوا…. أنت تشعر بمدى ضآلة معاناتك عندما تري وتلامس على أرض الواقع معاناة الناس الآخرين, بل لم أكتف بالعمل فقط , وقررت أن يكون عنوان بحث التخرج لنيل درجة البكالوريوس في الجامعة بعنوان (التعامل مع الأطفال في الأوقات الصعبة) حسب عملي في تلك المناطق .
لقد كانت التجربة غنية حيث يكمن غناها في الجديد وتنوع الفئات المستهدفة لها من( أطفال, أمهات, ومجتمع محلى) بدأنا في تسجيل الأطفال ولم أكن أتوقع تسجيل حوالي 250 طفل في اليوم الأول و توالت الأيام وتزايدت الأعداد حتى وصل العدد الى 600 طفل فقط من سن 7-13 سنه, تستوقفني الكثير من المواقف المؤلمة /الصعبة / المضحكة و المتعبة في فترة التسجيل مع الأطفال و الأهالي , ولكن كان أكثر المواقف المؤلمة عندما دخل الطفل فادى للتسجيل ذو العشر سنوات بدأت أدون البيانات الخاصة به عندما سألته عن أفراد الأسرة قال :
“” إحنا ستة.. كنا سبعه… قبل ما تموت أختي اللي نسيناها .. وإحنا شاردين في الدار ورانا قصفتها الطيارة عمرها 8 شهور… بدأ يبكى ولم أتمالك نفسي أنا أيضا رميت القلم وأخذته بين ذراعي وصرت أبكى,, الدموع كانت ساخنة عليه,وعلى مصير الكثير من الأطفال كأخته وكأنني كنت اشتهى أن ابكي و أنتظر السبب منذ زمن “.
انتهينا ولم ننته من التسجيل فلقد بقينا على فترات متفاوتة بالتسجيل وبدأنا بالتحضيرات و التجهيزات المادية للمكان من مواد وأدوات وقرطاسيه .
المكان كان في غاية التميز خيم كبيرة ,, ملونة بألوان حمراء- وزرقاء -وصفراء –وخضراء مثيرة بمساحات واسعة تصل ل6×7 متر للخيمة الواحدة كانوا خمسة للأنشطة وواحدة للإدارة وأخري أكبر حجما للقاءات المعدة للأمهات,, ملاعب لكرة القدم,, و الطائرة ,,مساحة للجري بالمجمل كان أكثر من ثلاث دونمات من الأرض تبرع بها أهالي المنطقة بالاتفاق مع مديرنا بالعمل…
بدأنا من الأيام الأولى بالألعاب الجماعية وألعاب التنشيط وتنظيم الألعاب الكبرى التي تشمل مجموعه من الألعاب المتنوعة أنشطة متنوعة تعمل على التفريغ عند الأطفال للكبت والخوف والقلق وتخفف من ألم الحرب( ومن الصعب النسيان) كان التركز أكثر على أنشطة الدعم النفسي وترديد الشعارات والترانيم التي تعمل على خفض درجات التوتر بشكل علمي ومنظم ومريح للطفل .
كانت طبيعة عملي في المركز الإشراف التربوي والتنظيم للقاءات مع الأمهات وحل المشكلات التي تواجه المنشطين مع الأطفال من خلال الإرشاد الفردي والجماعي وكذلك الترتيب للزيارات الخارجية لمؤسسات المجتمع المحلى مثل /المدارس ضمن الإطار الإعلامي التربوي فى المركز حسب الخطة المعدة, لقد كنت أركز في انتقائي مع مديرنا بالمركز وزميلي في المعهد رأفت شاهين علي اختيار المواضيع التي تلائم البيئة التي نعمل بها وتخدم الأطفال وأسرهم بالذات الأمهات
تم عقد أكثرمن 22 ورشة ولقاء جميعها متنوعة واستهدفت أكثر من 250 أم وتم استضافة عدد من الأخصائيين العاملين في مجالات الصحة و البيئة والدعم النفسي ودعم المرأة والذين تحدثوا بدورهم عن البيئة وأهميه الابتعاد عن الأجسام المشبوهة ومخلفات الحرب و النواحي الصحية /النظافة الشخصية / التغذية السليمة/ والتدخل مع الأطفال في الأزمات والحروب,/ ولا ننسى التربية بالذات النمائيه الجديدة ودور المرأة وأهميته في التنشئة ودورها في المجتمع وكذلك ورشات العمل باستخدام الرسم الحر حول مظاهر نمو الأطفال واحتياجاتهم وكذلك التعبير عن الحرب ومظاهرها وآثارها على الأمهات أنفسهم وتنفيذ العديد من ألعاب التنشيط مع الأمهات التي شعرت بمدى السرور الذي كان يرافقهن أثناء الورشة. كان ذلك من ضمن إنجاح العمل التربوي المخطط له بضمان الشراكة بين الأسرة و الطفل و المركز لتشكيل المثلث الآمن والبيئة الآمنة حول الطفل وضمان وصول الرسالة بشكل أوسع وأكثر شموليه .
• تقلب علينا الطقس هناك مابين ربيع شاتي فتعرضنا للرياح مرة والزوابع والأمطار القوية مرة وتلك الأمطار كانت تشكل لنا عبء كبير حيث أتلفت الكثير من مخرجات الأطفال من رسومات ,,,,, وصيف ساخن يحمل نسمات ساخنة وحرارة مرتفعه وحشرات متنوعة لم نعرفها وغبار وأتربه من ما يحيط بنا من ركام المنازل المهدمة, كنا أشبه بطيور مهاجرة أو حمام زاجل يحمل الرسائل ولكن بشكل مختلف ورسائل مختلفة لم يحجبنا عن الشمس سوى شبك من القماش الأسود المبطن باللون الأبيض لخفض أشعه الشمس ولم نتوقف عن العمل ابداً.
كانت أكثر الفترات بالنسبة لي تأثيرا وتحملا للمسئوليات تلك التي توجه فيها زميلي رأفت للتدريب في بداية شهر مايو ضمن برنامج العاب الصيف ولمدة الشهرين ونصف والتي كانت تتسم بتحمل المسئولية بشكل كبير بالرغم من مساعده فريق العمل كي يتم العمل كما خطط له وبدون تقصير.
كان هناك الكثير من المضايقات و الأوقات المليئة بالمشاحنات و التوترات والمضايقات من الأهالي بسبب سلوكيات بعض الأطفال وأحيان من الأطفال أنفسهم بسبب تصرف احد من المنشطين بقليل من ضبط النفس معهم, فكلنا بشر وكلنا خطائون…
قمت و الفريق بزيارات للبيوت وللمدارس القريبة والتحدث مع الأمهات وتوعيتهم بأهمية المتابعة للأطفال والعمل على تلبيه احتياجاتهم واحترام حقوقهم وقمنا بزيارات لمراكز الإيواء القريبة (الخيام) والروضة القريبة من المركز شاركنا باحتفال نهاية العام الدراسي لهم ونفذنا العاب تنشيط مع الأطفال فترة الامتحانات في مدارسهم وقمنا بجولات استكشافيه للأراضي الزراعية والأطفال العاملين في المزارع بعد الامتحانات.استقبلنا العديد من الضيوف والزائرين ولن أنسى الدعم والمتابعة المستمرة من فريق العمل بالمعهد بالذات مديرنا /عيسى سابا ومسئول البرنامج / زاهر هنيهة …..
• أربعه أشهر انقضت ثم أربع اشهر أخرى فترة ليست قصيرة متجددة كل يوم شي جديد أطفال بشخصيات مختلفة وأمزجة متغيرة ما بين المشاكس/المرح/الضاحك الوجه دائما / الهادئ /المنظم / الغوغائي/النظيف والأقل حظا في النظافة/ الكثير الحركة / المنطوي/ المنعزل / القلق / المتوتر / الخائف و العنيف ,, ولكنهم كانوا يشتركون في حبهم للمكان وللمنشطين.
• كانوا يشعرون أننا نحبهم ونعمل لأجلهم حيث لا ضرب ولا شتم ولا عنف وأذى بأي نوع أو شكل, بل الاحترام لهم والألفاظ المحببة لقلوبهم وعبارات وجمل تحمل التشجيع والدعم لم يعهدها أحد منهم قبل ذلك حتى من ذويهم.
تغيرات واضحة ظهرت عليهم من نظافة شخصيه /سلوكيات ايجابيه / انخفاض في مستوى العنف لدى الكثيرين منهم/ قيم مثل: التعاون / المشاركة /الاحترام والاندماج في الأنشطة.. وما يلفت النظر هو تقليد الأطفال للفريق و المنشطين خارج المركز ومناداتهم لنا وعلينا من البيوت ومن خلف الشبابيك حتى أننا أصبحنا ننادى بأسماء العائلات التي تسكن في المنطقة. هناك الكثيرين والبسطاء منهم لن أنسي أبو إيهاب العطار/ ذلك الحارس الطيب, الذي بكى يوم انتهاء عملنا في المنطقة وخروجنا منها كان دائما يساعدنا في حل المشكلات مع أهالي الأطفال . حسام/ الشاب الجامعي المقابل للمركز في السكن والذي بكى بدوره هو الآخر وكان من أكثر المحيطين تأثرا بنا حيث التغير كان نوعيا وملحوظا على شخصيته وتعامله وفكرته البسيطة عن الحياة .. لن أستطيع نسيان دموعهم حيث من الصعب أن……………..
 ( يبكى الرجال كما أعرف ).
كان هناك الكثير من حكاوي الأهالي و الأطفال عن تجارب الحرب حتى أنى كتبت الكثير منها بشكل شخصي ضمن أوراق العمل خاصتي وذلك تحت عنوان
من حكاوي الأطفال و الأهالي في زمن الحرب لدرء الهم و التداوى .
 هنالك الكثير و الكثير من الأحداث و الأشياء لم تذكر واشعر أنى احتاج لكتاب خاص لتلك التجربة في تلك المناطق . العمل التربوي و الاجتماعي والثقافي والتغيير رسائل ليس من السهل توصيلها في تلك المناطق وليس من المستحيل… بكثير من الجهد والنضال في تلك الساحات وبجيش منظم من العاملين والفاعلين في الحقل الاجتماعي و التربوي بمختلف فئاته و مساحات كبيرة من التخطيط المنظم و التفكير و العزيمة والإصرار يمكن النجاح .
هذا ما هم هناك بحاجة له
أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم وأتمنى أن أكون قد أجملت التجربة في سطور بسيطة ومفيدة يوجد هنالك الكثير ولن أنهي فالعطاء مستمر في ميدان العمل .
لنا لقاء في تجارب أخرى ولكن بلا حروووب