حماية الأطفال من العنف ضرورة مجتمعية

ورقة عمل مقدمة إلى برنامج حوار الأربعاء فكر وآراء
بمناسبة يوم الطفل الفلسطيني 5/4/2007
بعنوان حماية الأطفال من العنف ضرورة مجتمعية

إعداد: بهاء الشطلي•

تقديم:
إن ظاهر العنف في مجتمعاتنا أصبحت قضية تحتل مراتب متقدمة من الأولويات الوطنية للدول وتحتاج ظاهرة العنف في مجتمعاتنا إلى مزيد من البحوث والدراسات للوقوف على أسبابها والتعرف على آليات اجتثاثها كعنصر دخيل لا مكان له ضمن الثقافة والحضارة التي ننتمي لها.
في عام 2001، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من الأمين العام إجراء دراسة رسمية حول العنف ضد الأطفال، بحيث تبحث هذه الدراسة في مشكلة العنف ضد الأطفال عبر العالم وتفحص الأفكار المختلفة حول ما يمكن عمله بشأنها، تعتمد الدراسة على فكرة أن للأطفال الحق في الحماية من العنف. هذا الحق مثبت في المادة 19 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، والتي هي اتفاقية دولية وقعت عليها غالبية بلدان العالم وألزمت نفسها بتطبيقها، وقد شارك الأطفال والشباب عبر العالم في مختلف مراحل هذه الدراسة بأشكال مختلفة وعديدة.
تبين دراسة العنف أن العنف ضد الأطفال موجود في كل بلد في العالم، مهما كانت الثقافة أو الخلفية العرقية التي يأتي منها سكانه. ولا يختلف الأمر سواء كانت الأسرة متعلمة جيدا أم لا، وسواء كانت غنية أو فقيرة. أي أنه يمكن أن يحدث العنف في أي مكان. فضلا عن ذلك، ومع أنه من الواضح لغالبية الناس أن للأطفال حقوقا وأنهم بحاجة إلى حماية من العنف حتى ينموا ويشبوا ليصبحوا راشدين أصحاء، إلا أن بلدانا عديدة تسمح بحدوث العنف ضد الأطفال لأنه عُرف دارج، أو لأنه يستخدم بشكل شائع كوسيلة للعقاب.
سبق أن اتفقت الحكومات على حماية الأطفال من أشكال العنف. ولكن الروايات التي يحكيها الأطفال أنفسهم والأبحاث من مصادر عديدة ومختلفة تبين أن الحكومات لا تفعل ما يكفي، وأن الكثير من العنف لا يجري التبليغ عنه حتى الآن. على سبيل المثال:
• قدرت منظمة الصحة العالمية في عام 2002 أن حوالي 53.000 طفل قتلوا في مختلف أنحاء العالم.
• بينت دراسة مسحية شملت مجموعة كبيرة من البلدان أن ما بين 20% و65%
من الأطفال في سن المدرسة أفادوا بتعرضهم للترهيب سواء لفظيا أو بدنيا.
• قدرت منظمة العمل الدولية أن 218 مليون طفل، في عام 2004، كانوا منخرطين في مجال عمل الأطفال، وكان 126 مليون منهم يعملون في أعمال خطرة. كما قدرت منظمة العمل الدولية أن 5.7 مليون طفل كانوا مجبرين على العمل (العمل القسري وأعمال السخرة)، وأن 1.2 مليون طفل كانوا ضحايا الاتجار بالأطفال.
• يتم تزويج 82 مليون فتاة في مختلف أنحاء العالم قبل أن يبلغن سن 18 عاما. وتتزوج عديدات منهن في سن أصغر من تلك بكثير، حيث يجبرن على الزواج من رجال أكبر سنا. وبالتالي فقد يتعرضن إلى العنف، بما في ذلك ممارسة الجنس بشكل قسري.
• يشهد ما بين 133 إلى 275 مليون طفل حول العالم ممارسات العنف الأسري في منازلهم، وهو في العادة عنف بين الوالدين. يمكن لهذا العنف أن يترك تأثيرا على مشاعر الأطفال وعلى نموهم وطريقة تعاملهم مع الآخرين طيلة حياتهم، وكثيرا ما يكون وجود العنف ضد المرأة في الأسرة مقترنا بوجود عنف ضد الأطفال أيضا.
• يمكن أن يقوم المعلمون والمعلمات بضرب الأطفال كوسيلة للعقاب، مثلا عندما لا يقومون بعمل ما هو مطلوب منهم على النحو اللازم. وحتى الآن لم تقم 106 بلدان في العالم بحظر العقاب البدني في المدارس.
• ظهر في دراسات أجريت في أنحاء مختلفة من العالم أن 20% إلى 60% من الأطفال أفادوا بأنهم تعرضوا للترهيب في المدرسة في فترة الشهر السابق للدراسة.
• هناك حوالي 8 ملايين طفل حول العالم يعيشون بعيدا عن عائلاتهم في دور للأيتام أو في دور أخرى للأطفال.
• يمكن أن يتعرض الأطفال الذين يعيشون بعيدا عن منزلهم للعنف من جانب طاقم المؤسسات ومن الأطفال الآخرين. يمكن أن يكون العنف شائعا في المؤسسات، ولكن 80% من حالات العنف لا يتم التبليغ عنها حتى من الأطفال أنفسهم,
ووفقاً لدراسة أجراها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في شباط / فبراير 2006، أفادت نسبة 93% من الأطفال بأنهم يتعرضون للعنف في المنزل، ونسبة 45 % بأنهم يتعرضون له في المدرسة. وفي نفس الدراسة، قالت نسبة 51 % من الأمهات الفلسطينيات إن أحد أطفالهن بين سن 5 و17 عاماً قد تعرّض للعنف خلال السنة الماضية.
ووجدت دراسة استقصائية أخرى ـ أجراها المعهد الجامعي لدراسات التنمية في جنيف ـ أن 60 في المائة من الآباء والأمهات الفلسطينيين يعتقدون بأن مستويات التوتر قد ارتفعت خلال الفترة من 2005 إلى 2006 بين صفوف الأطفال المقيمين في نطاق أسرهم المعيشية.
إذا كان لدينا هذه الأرقام والإحصاءات على المستوى العالمي والمحلي، ونتحدث على أن الأطفال نصف الحاضر وكل المستقبل، فلابد من أن نقلق على مستقبلنا، ومن قبله حاضرنا، لأن فيها ما يشير إلى أننا في مواجهة تسونامي على وشك الحدوث، مما قد يؤتي على الأخضر واليابس وبالتالي تصبح مجتمعاتنا تغرق في دوامة من العنف الذي لا ينتهي وما حدث في مجتمعنا الفلسطيني في الآونة الأخيرة ما هو إلى تعبيرات لحالة من العنف مورس خلال لحظة تاريخية معينة في السابق وجدت ترجمتها المادية حينما توفرت ظروف موضوعية ساعدت على تفجر موجة العنف الدامي هذه.
لذلك تظهر الحاجة والضرورة المجتمعية لحماية الأطفال من العنف لما فيه من صون للمستقبل، باعتبار أن هؤلاء الأطفال هم الموارد التي يتم الاستثمار فيها وهي ما نملك، كما أن مسؤولية الوقاية والحماية من العنف هي مسؤولية فردية ومؤسسية وتشمل المؤسسات الرسمية والأهلية وتلعب هذه المؤسسات دوراً تكاملي ترابطي, فللمؤسسة التعليمية دوراً هاماً سواءً في الوقاية المبكرة من خلال تأهيل الأفراد منذ السنوات المبكرة باليات التعامل مع المشكلات ورصد حالات العنف, وكذلك هو الحال بالنسبة للمؤسسات الأخرى كالمؤسسات التشريعية والصحية والإعلامية.
فلابد من اعتماد خطط عمل وطنية متكاملة تقوم على أهداف قابلة للتحقيق ذات إطار زمني وميزانيات محددة بمؤشرات قياس لرصد التقدم المحرز والصعوبات و سبل تجاوزها.
ولابد أن تكون مختلف السياسات والبرامج والآليات الخاصة بمناهضة العنف ضد الأطفال منسجمة مع جملة المبادئ العامة المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل، و بخاصة مصلحة الطفل الفضلى، و عدم التمييز بين الأطفال، وحق الطفل في البقاء و النماء، والحق في الحياة واحترام آراء الطفل، بما يعنى ذلك من ضرورة تمتع الطفل بحقه في التعبير عن رأيه داخل الأسرة و المدرسة وكافة المؤسسات، واحترام هذا الرأي في صياغة البرامج والقرارات الخاصة بوضعه وتنفيذها.
العمل على ضمان حماية الأطفال من العقوبات البدنية وحظر هذه العقوبات بصفة صريحة في القوانين، في كافة المواقع والأطر المؤسسية بما في ذلك الأسرة والمدرسة وكافة المؤسسات تكون هي محور الاهتمام في التصدي لحل المشكلة. و أن نوفر لها الحماية من داخلها، و من خلال رفع الوعي لديها بسبل التربية وتغيير الممارسات دون اللجوء للعنف، ومن خلال نشر ثقافة مجتمعية بديلة لثقافة العنف بدءا من كسر جدار الصمت الذي يغلف مشكلة العنف ضد الأطفال.
مراجعة القوانين والتشريعات بما يكفل إلزامية الإبلاغ عن حالات العنف وتجريم التقاعس عن كشفها ومعاقبة مرتكبي العنف وانه لا يترك دون مساءلة، بما يضمن رصد العنف في الوقت المناسب وتوفير آليات الحماية الاجتماعية والقضائية الملائمة، وذلك من خلال التأكيد على المسئولية الاجتماعية للبالغين، ومؤسسات القطاعين العام والخاص.
إن القضاء على العنف ضد الأطفال يتطلب بناء القدرات للأطفال والأهالي وكافة العاملين مع الأطفال بما في ذلك المدرسين والأخصائيين الاجتماعيين والعاملين في مجال الصحة والقضاء وتنفيذ القانون، ورفع الوعي وحماية الأطفال المهمشين باعتبارهم الأكثر عرضة للعنف خاصة الذين يعانون من التمييز بما في ذلك لأسباب متعددة مثل الإعاقة والجنس.